عقب هزيمة السلطنة العثمانية وانسحاب الاتراك ودخول جيوش الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي في تشرين الاول عام 1918 البلاد السورية،
قسمت الاراضي المحتلة الى ثلاثة مناطق:
- المنطقة الشرقية وضمت ولايتي دمشق وحلب.
- المنطقة الغربية وضمت جبل لبنان والاقسام المتبقية من ولاية بيروت بعد فصل لوائي عكا ونابلس وإلحاقهما بالمنطقة الجنوبية، وكانت
ولاية بيروت تضم ألوية بيروت وطرابلس واللاذقية وقضائي صور وصيدا.
- المنطقة الجنوبية وضمت الأراضي الفلسطينية.
وبعد دخول سوريا ولبنان في منطقة النفوذ الفرنسي، وذلك بموجب قرار الحلفاء المتخذ في مؤتمر سان ريمو بتاريخ 18 نيسان 1920 الذي
منح فرنسا سلطة الانتداب عليهما، عمدت سلطة الانتداب إلى تعيين متصرفين وقائمقامين في المناطق اللبنانية من أهالي البلاد، واستبدلت
تبعاً لذلك ألقاب ممثليها العسكريين في المناطق الإدارية بألقاب جديدة هي المندوب الإداري للمنطقة، والمستشار الإداري لللواء
والقضاء، فكان المستشار في اللواء إلى جانب المتصرف، وفي القضاء إلى جانب القائمقام، الرئيس المسؤول عن إدارة اللواء او القضاء
وصاحب السلطة الفعلية، وكان كل من المتصرف والقائمقام أعلى موظفي الحكومة المحلية في اللواء والقضاء، وكان كل منهما تحت إمرة
المستشار مسؤولا على المحافظة عن الأمن والنظام وتطبيق القوانين والقرارات والأنظمة وتنفيذ أوامر المستشار وتعليماته، والإشراف
على سير المحاكم النظامية والشرعية ضمن منطقته الإدارية.
وفي الأول من أيلول 1920 أعلن المفوض السامي الفرنسي غورو إنشاء دولة لبنان الكبير، وبنفس الوقت ألغى " غورو" كل التنظيمات والأنظمة
الإدارية السابقة، وقسّم أراضي الدولة الجديدة إلى أربعة متصرفيات وهي:
- متصرفية لبنان الشمالي ومركزها زغرتا.
- متصرفية جبل لبنان ومركزها بعبدا.
- متصرفية لبنان الجنوبي ومركزها صيدا.
- متصرفية البقاع ومركزها زحلة.
وقسمت كل متصرفية إلى عدة أقضية، وبعض الاقضية إلى عدة مديريات، أما بيروت وطرابلس فقد أبقيتا مدينتين مستقلتين إداريا، وجعلت
بيروت عاصمة دولة لبنان الكبير.
وأناط المفوض السامي، بموجب النظام الذي أصدره للدولة الجديدة، السلطة التنفيذية بموظف فرنسي كبير لقب بحاكم الدولة، كان مسؤولا
لديه ويقوم بالنيابة عنه بإدارة البلاد والمحافظة على الأمن والنظام، اما الإدارة المحلية فقد أنيطت بالمتصرفيين في المتصرفية،
وبالقائمقامين في الاقضية، وبالمديرين في المديريات.
بحسب هذا النظام اتخذت الإدارة في الدولة الناشئة شكلا هرميا يتدرج ضمن خمسة مستويات من أعلى إلى أسفل كالتالي:
- السلطة المركزية، وهي المرجعية العليا، وعلى رأسها حاكم لبنان الكبير.
- المتصرفية، وعلى رأسها المتصرف.
- القائمقامية، وعلى رأسها القائمقام.
- المديرية، وعلى رأسها مدير.
- البلدية وهي السلطة المحلية التي تأتي في أسفل الهرم الإداري، وتتولاها هيئة محلية ممثلة بالمجلس البلدي والاختياري.
بتاريخ 9 نيسان عام 1925 اصدر المفوض السامي الفرنسي " ساراي" قرارا قضى بتقسيم دولة لبنان الكبير إلى إحدى عشر محافظة ومديرية
مستقلة هي مديرية دير القمر، وفي نفس الوقت ألغى القرار المذكور القضاء، ولكنه أبقى على المديريات التي ربطها مباشرة بالمحافظات،
وعلى هذا قسم المحافظات إلى 34 مديرية يترأس كل منها مدير، وبحسب هذا التنظيم أصبح مستويات السلطة الإدارية في دولة لبنان الكبير
أربعة وهي:
- السلطة المركزية المتمثلة بالمفوضية السامية وبالحاكمية العليا.
- المحافظة، ويتولاها محافظ يعينه الحاكم، ويعاونه مجلس إدارة المحافظة.
- المديرية، ويتولاها مدير يعينه الحاكم بعد استطلاع رأي المحافظ.
- المجالس البلدية المنظمة بأنظمة خاصة.
وفي 23 أيار 1926 أعلن الدستور اللبناني الذي وضعته لجنة تأسيسية مؤلفة من لبنانيين بالتعاون مع ممثلي سلطة الانتداب، اقر هذا
الدستور استقلال البلاد ووحدتها واحتفظ بالحقوق والواجبات الخاصة بالدولة المنتدبة المنبثقة عن ميثاق عصبة الأمم وصك الانتداب،
كما وعين الدستور شكل الحكم وحقوق المواطن والسلطات العامة في البلاد، وأناط سلطة التشريع بهيئة تمثيلية، والسلطة التنفيذية
برئيس الجمهورية، والسلطة القضائية بالحاكم.
بموجب هذا الدستور ألغيت وظيفة حاكم الدولة، وانتقل زمام الحكم والإدارة إلى السلطات لوطنية تمارسها تحت مراقبة ممثل سلطة الانتداب،
وبمعاونة مندوبيه من المستشارين الفرنسيين الفنيين والإداريين في الدوائر المركزية والمناطق الإدارية، فالشؤون الإدارية المركزية
قد أنيطت برئيس الجمهورية الذي مارسها بمعاونة وزراء مسؤولين أمام الهيئة التشريعية الممثلة للشعب، والتي كانت مؤلفة في البداية
من مجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وفيما بعد من مجلس واحد هو مجلس النواب بعد إلغاء مجلس الشيوخ بالتعديل الدستوري الحاصل
في 17 تشرين الأول 1927، والصلاحيات الدستورية والإدارية، التي خص بها رئيس الجمهورية والوزراء، هي شبيهة بتلك الواردة في دساتير
الدولة البرلمانية، الا أنها كانت مقيدة بتحفظات وردت في الدستور وفي صك الانتداب لمصلحة الدولة المنتدبة، وهذه التحفظات حدّت
من سيادة البلاد واستقلالها، وخاصة في أمور تتعلق بعقد المعاهدات مع الدول، وبتمثيل لبنان سياسيا واقتصاديا في الخارج، وبقبول
معتمدي الدول الأجنبية لديه، وبقيادة القوى المسلحة باستثناء الدرك والشرطة، وفي 3 شباط 1930 صدر المرسوم الاشتراعي رقم 5 الذي
تم بموجبه إلغاء التقسيمات الإدارية السابقة، وإنشاء المحافظات الخمس التالية:
- محافظة بيروت ومركزها بيروت.
- محافظة جبل لبنان ومركزها بعبدا.
- محافظة لبنان الشمالي ومركزها طرابلس.
- محافظة البقاع ومركزها زحلة.
- محافظة لبنان الجنوبي ومركزها صيدا.
وقسمت كل محافظة باستثناء بيروت، إلى عدة أقضية وألغيت المديريات من التقسيمات الإدارية.
وبحسب هذا التنظيم كانت درجات السلطة الإدارية وفقا لمستويات أربعة وهي:
- السلطة التنفيذية، وتتمثل برئيس الجمهورية ويعاونه الوزراء.
- المحافظة، ويترأسها المحافظ.
- القضاء ويتولاه القائمقام، ويكون في كل قضاء مجلس إداري محلي يعاون القائمقام ويعمل تحت إشرافه.
- البلدية ويتولى إدارتها مجلس بلدي منظم وفقا لقانون خاص بالبلديات.
وبسبب إدراك سلطات الانتداب أهمية الدور الذي يمكن ان يلعبه المختار في القرية او الحي، فقد أصدرت في 13 كانون الثاني 1928 قانون
المختارين الذي جعل من المختارية مؤسسة فعلية للسلطة المحلية، وبهذا القانون ألغيت الوظيفة التقليدية لشيوخ الصلح التي كانت
قائمة على الأعراف والتقاليد لتحل مكانها وظيفة تعمل في إطار القوانين والأنظمة.
بشكل عام يمكن القول ان التنظيم الإداري الذي اعتمدته السلطات المنتدبة للبنان ارتكز على مبدأ المركزية المتشددة الذي سمح لهذه
السلطة الممثلة بالمفوضية الفرنسية العليا ان تشرف مباشرة على إدارة شؤون الحكم، والإمساك بقوة بجهاز الإدارة في الدولة اللبنانية،
وذلك عبر تأمين الربط المركزي بين المستويات الإدارية المختلفة ومهما اختلفت التقسيمات الإدارية التي عرفها لبنان في عهد الانتداب
الفرنسي فان اختلافها بقي في إطار الشكل فقط ولم يتعد إلى المضامين الوظيفية لسائر المستويات الإدارية التي ظلت تؤدي وظيفة واحدة
وهي تعزيز السلطة المركزية، الأمر الذي حد من حرية العمل لتلك المستويات.